فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال البيضاوي:

{اقترب لِلنَّاسِ حسابهم} بالإضافة إلى ما مضى أو ما عند الله لقوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا} وقوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوما عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَا تَعُدُّونَ} أو لأن كل ما هو آت قريب وإنما البعيد ما انقرض ومضى، واللام صلة لـ: {اقترب} أو تأكيد للإضافة وأصله اقترب حساب الناس ثم اقترب للناس الحساب ثم اقترب للناس حسابهم، وخص الناس بالكفار لتقييدهم بقوله: {وَهُمْ في غَفْلَةٍ} أي في غفلة عن الحساب. {مُّعْرِضُونَ} عن التفكر فيه وهما خبران للضمير، ويجوز أن يكون الظرف حالًا من المستكن في {مُّعْرِضُونَ}.
{مَا يَأْتِيهِمْ مّن ذِكْرٍ} ينبههم من سنة الغفلة والجهالة. {مِّن رَّبِّهِم} صفة لـ: {ذِكْرٍ} أو صلة لـ: {يَأْتِيهِم}. {مُّحْدَثٍ} تنزيله ليكرر على أسماعهم التنبيه كي يتعظوا، وقرئ بالرفع حملًا على المحل. {إِلاَّ استمعوه وَهُمْ يَلْعَبُونَ} يستهزئون به ويستسخرون منه لتناهي غفلتهم وفرط إعراضهم عن النظر في الأمور والتفكر في العواقب {وَهُمْ يَلْعَبُونَ} حال من الواو وكذلك: {لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ} أي استمعوه جامعين بين الاستهزاء والتلهي والذهول عن التفكر فيه، ويجوز أن يكون من واو {يَلْعَبُونَ} وقرئت بالرفع على أنها خبر آخر للضمير. {وَأَسَرُّواْ النجوى} بالغوا في إخفائها أو جعلوها بحيث خفي تناجيهم بها. {الذين ظَلَمُواْ} بدل من واو {وَأَسَرُّواْ} للإِيماء بأنهم ظالمون فيما أسروا به، أو فاعل له والواو لعلامة الجمع أو مبتدأ والجملة المتقدمة خبره وأصله وهؤلاء أسروا النجوى فوضع الموصول موضعه تسجيلًا على فعلهم بأنه ظلم أو منصوب على الذم. {هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السحر وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} بأمره في موضع النصب بدلًا من {النجوى}، أو مفعولًا لقول مقدر كأنهم استدلوا بكونه بشرًّا على كذبه في ادعاء الرسالة لاعتقادهم أن الرسول لا يكون إلا ملكًا، واستلزموا منه أن ما جاء به من الخوارق كالقرآن سحر فأنكروا حضوره، وإنما أسروا به تشاورًا في استنباط ما يهدم أمره ويظهر فساده للناس عامة.
{قُل رَّبِّى يَعْلَمُ القول في السماء والأرض} جهرًا كان أو سرًّا فضلًا عما أسروا به فهو آكد من قوله: {قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السر في السموات والأرض} ولذلك اختير ها هنا وليطابق قوله: {وَأَسَرُّواْ النجوى} في المبالغة. وقرأ حمزة والكسائي وحفص {قَالَ} بالإِخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم. {وَهُوَ السميع العليم} فلا يخفى عليه ما يسرون ولا ما يضمرون.
{بَلْ قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} إضراب لهم عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام ثم إلى أنه كلام افتراه ثم إلى أنه قول شاعر والظاهر أن {بل} الأولى لتمام حكاية والإِبتداء بأخرى أو للإِضراب عن تحاورهم في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وما ظهر عليه من الآيات إلى تقاولهم في أمر القرآن، والثانية والثالثة لإِضرابهم عن كونه أباطيل خيلت إليه وخلطت عليه إلى كونه مفتريات اختلقها من تلقاء نفسه، ثم إلى أنه كلام شعري يخيل إلى السامع معاني لا حقيقة لها ويرغبه فيها، ويجوز أن يكون الكل من الله تنزيلًا لأقوالهم في درج الفساد لأن كونه شعرًا أبعد من كونه مفترى لأنه مشحون بالحقائق والحكم وليس فيه ما يناسب قول الشعراء، وهو من كونه أحلامًا لأنه مشتمل على مغيبات كثيرة طابقت الواقع والمفتري لا يكون كذلك بخلاف الأحلام، ولأنهم جربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نيفًا وأربعين سنة وما سمعوا منه كذبًا قط، وهو أبعد من كونه سحرًا لأنه يجانسه من حيث إنهما من الخوارق. {فَلْيَأْتِنَا بِئَايَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأولونَ} أي كما أرسل به الأولون مثل اليد البيضاء والعصا وإبراء الأكمه وإحياء الموتى، وصحة التشبيه من حيث إن الإِرسال يتضمن الإِتيان بالآية.
{مَا ءَامَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ} من أهل قرية. {أهلَكِناها} باقتراح الآيات لما جاءتهم. {أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} لو جئتهم بها وهم أعتى منهم، وفيه تنبيه على أن عدم الإتيان بالمقترح للإِبقاء عليهم إذ لو أتى به ولم يؤمنوا استوجبوا عذاب الاستئصال كمن قبلهم.
{وما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالًا يُوحَى إِلَيْهِمْ فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} جواب لقولهم {هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} فأمرهم أن يسألوا أهل الكتاب عن حال الرسل المتقدمة ليزول عنهم الشبهة والإِحالة عليهم إما للإلزام فإن المشركين كانوا يشاورونهم في أمر النبي عليه الصلاة والسلام ويثقون بقولهم، أو لأن إخبار الجم الغفير يوجب العلم وإن كانوا كفارًا. وقرأ حفص {نُوحِى} بالنون.
{وما جعلناهم جَسَدًا لاَّ يَأْكُلُونَ الطعام وما كَانُواْ خالدين} نفي لما اعتقدوا أنها من خواص الملك عن الرسل تحقيقًا لأنهم كانوا أبشارًا مثلهم. وقيل جواب لقولهم {مالِ هذا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِى في الأسواق} {وما كَانُواْ خالدين} تأكيد وتقرير له فإن التعيش بالطعام من توابع التحليل المؤدي إلى الفناء وتوحيد الجسد لا إرادة الجنس، أو لأنه مصدر في الأصل أو على حذف المضاف أو تأويل الضمير بكل واحد وهو جسم ذو لون فلذلك لا يطلق على الماء والهواء، ومنه الجساد للزعفران. وقيل جسم ذو تركيب لأن أصله لجمع الشيء واشتداده.
{ثُمَّ صدقناهم الوعد} أي في الوعد. {فأنجيناهم وَمَن نشاء} يعني المؤمنين بهم ومن في إبقائه حكمة كمن سيؤمن هو أو أحد من ذريته، ولذلك حميت العرب من عذاب الاستئصال. {وَأَهْلَكِنا المسرفين} في الكفر والمعاصي.
{لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ} يا قريش {كتابا} يعني القرآن. {فِيهِ ذِكْرُكُمْ} صيتكم كقوله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} أو موعظتكم أو ما تطلبون به حسن الذكر من مكارم الأخلاق. {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} فتؤمنون.
{وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ} وإرادة عن غضب عظيم لأن القصم كسر يبين تلاؤم الأجزاء بخلاف الفصم. {كَانَتْ ظالمة} صفة لأهلها وصفت بها لما أقيمت مقامه. {وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا} بعد إهلاك أهلها. {قَوما ءَاخَرِينَ} مكانهم.
{فَلَمَا أَحَسُّواْ بَأْسَنَا} فلما أدركوا شدة عذابنا إدراك المشاهد المحسوس، والضمير للأهل المحذوف. {إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ} يهربون مسرعين راكضين دوابهم، أو مشبهين بهم من فرط إسراعهم.
{لاَ تَرْكُضُواْ} على إرادة القول أي قيل لهم استهزاء لا تركضوا إما بلسان الحال أو المقال، والقائل ملك أو من ثم من المؤمنين. {وارجعوا إلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} من التنعم والتلذذ والإِتراف إبطار النعمة. {ومساكنكم} التي كانت لكم. {لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ} غدا عن أعمالكم أو تعذبون فإن السؤال من مقدمات العذاب، أو تقصدون للسؤال والتشاور في المهام والنوازل.
{قَالُواْ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظالمين} لما رأوا العذاب ولم يروا وجه النجاة لذلك لم ينفعهم. وقيل إن أهل حضور من قرى اليمن بعث إليهم نبي فقتلوه فسلط الله عليهم بختنصر فوضع السيف فيهم فنادى مناد من السماء يا لثارات الأنبياء فندموا وقالوا ذلك.
{فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} فما زالوا يرددون ذلك، وإنما سماه دعوى لأن المولول كأنه يدعو الويل ويقول: يا ويل تعال فهذا أوانك، وكل من {تِلْكَ} و{دَعْوَاهُمْ} يحتمل الاسمية والخبرية. {حتى جعلناهم حَصِيدًا} مثل الحصيد وهو النبت المحصود ولذلك لم يجمع. {خامدين} ميتين من خمدت النار وهو مع {حَصِيدًا} منزلة المفعول الثاني كقولك: جعلته حلوًا حامضًا إذ المعنى: وجعلناهم جامعين لمماثلة الحصيد والخمود أو صفة له أو حال من ضميره.
{وما خَلَقْنَا السماء والأرض وما بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ} وإنما خلقناها مشحونة بضروب البدائع تبصرة للنظار وتذكرة لذوي الاعتبار وتسببًا لما ينتظم به أمور العباد في المعاش والمعاد، فينبغي أن يتسلقوا بها إلى تحصيل الكمال ولا يغتروا بزخارفها فإنها سريعة الزوال.
{لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا} ما يتلهى به ويلعب. {لاتخذناه مِن لَّدُنَّا} من جهة قدرتنا، أو من عندنا مما يليق بحضرتنا من المجردات لا من الأجسام المرفوعة والأجرام المبسوطة كعادتكم في رفع السقوف وتزويقها وتسوية الفرش وتزيينها، وقيل اللهو الولد بلغة اليمن وقيل الزوجة والمراد به الرد على النصارى {إِن كُنَّا فاعلين} ذلك ويدل على جواب الجواب المتقدم. وقيل {إِن} نافية والجملة كالنتيجة للشرطية.
{بَلْ نَقْذِفُ بالحق عَلَى الباطل} إِضراب عن اتخاذ اللهو وتنزيه لذاته عن اللعب أي بل من شأننا أن نغلب الحق الذي من جملته الجد على الباطل الذي من عداده اللهو. {فَيدمغه} فيمحقه، وإنما استعار لذلك القذف وهو الرمي البعيد المستلزم لصلابة المرمى، والدمغ الذي هو كسر الدماغ بحيث يشق غشاؤه المؤدي إلى زهوق الروح تصويره لابطاله ومبالغة فيه، وقرئ {فَيَدْمَغُهُ} بالنصب كقوله:
سَأَتْرُكْ مَنْزِلي لَبَنِي تَمِيم ** وَأَلْحَق بِالحِجَازِ فَأَسْتَرِيحَا

ووجه مع بعده الحمل على المعنى والعطف على الحق. {فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} هالك والزهوق ذهاب الروح وذكره لترشيح المجاز. {وَلَكُمُ الويل مِمَا تَصِفُونَ} مما تصفونه به مما لا يجوز عليه، وهو في موضع الحال وما مصدرية أو موصولة أو موصوفة.
{وَلَهُ مَن في السموات والأرض} خلقًا وملكًا. {وَمَنْ عِندَهُ} يعني الملائكة المنزلين منه لكرامتهم عليه منزلة المقربين عند الملوك، وهو معطوف على {مَن في السموات} وأفرده للتعظيم أو لأنه أعم منه من وجه، أو المراد به نوع من الملائكة متعال عن التبوؤ في السماء والأرض أو مبتدأ خبره: {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} لا يتعظمون عنها. {وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ} ولا يعيون منها، وإنما جيء بالاستحسار الذي هو أبلغ من الحسور تنبيهًا على أن عبادتهم بثقلها ودوامها حقيقة بأن يستحسر منها ولا يستحسرون.
{يُسَبِّحُونَ الليل والنهار} ينزهونه ويعظمونه دائمًا. {لاَ يَفْتُرُونَ} حال من الواو في {يسبحون} وهو استئناف أو حال من ضمير قبله.
{أَمِ اتخذوا ءَالِهَةً} بل اتخذوا والهمزة لإِنكار اتخاذهم. {مِّنَ الأرض} صفة لآلهة أو متعلقة بالفعل على معنى الابتداء، وفائدتها التحقير دون التخصيص. {هُمْ يُنشِرُونَ} الموتى وهم وإن لم يصرحوا به لَكِن لزم ادعاؤهم لها الإِلهية، فإن من لوازمها الاقتدار على جميع الممكنات والمراد به تجهيلهم والتهكم بهم، وللمبالغة في ذلك زيد الضمير الموهم لاختصاص الانشار بهم.
{وَلَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلاَّ الله} غير الله، وصف بـ: {إِلاَّ} لتعذر الاستثناء لعدم شمول ما قبلها لما بعدها ودلالته على ملازمة الفساد لكون الآلهة فيهما دونه، والمراد ملازمته لكونها مطلقًا أو معه حملًا لها على غير كما استثنى بغير حملًا عليها، ولا يجوز الرفع على البدل لأنه متفرع على الاستثناء ومشروط بأن يكون في كلام غير موجب.
{لَفَسَدَتَا} لبطلتا لما يكون بينهما من الاختلاف والتمانع، فإنها إن توافقت في المراد تطاردت عليه القدر وإن تخالفت فيه تعاوقت عنه. {فسبحان الله رَبِّ العرش} المحيط بجميع الأجسام الذي هو محل التدابير ومنشأ التقادير. {عَمَا يَصِفُونَ} من اتخاذ الشريك والصاحبة والولد.
{لاَّ يُسْئَلُ عَمَا يَفْعَلُ} لعظمته وقوة سلطانه وتفرده بالألوهية والسلطنة الذاتية. {وَهُمْ يُسْئَلُونَ} لأنهم مملوكون مستعبدون والضمير لل {ءَالِهَةً} أو للعباد.
{أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ ءَالِهَةً} كرره استعظامًا لكفرهم واستفظاعًا لأمرهم وتبكيتًا وإظهارًا لجهلهم، أو ضمًا لإِنكار ما يكون لهم سندًا من النقل إلى إنكار ما يكون لهم دليلًا من العقل على معنى أوجدوا آلهة ينشرون الموتى فاتخذوهم آلهة، لما وجدوا فيهم من خواص الألوهية، أو وجدوا في الكتب الإِلهية الأمر بإشراكهم فاتخذوهم متابعة للأمر، ويعضد ذلك أنه رتب على الأول ما يدل على فساده عقلًا وعلى الثاني ما يدل على فساده نقلًا. {قُلْ هَاتُواْ برهانكم} على ذلك إما من العقل أو من النقل، فإنه لا يصح القول بما لا دليل عليه كيف وقد تطابقت الحجج على بطلانه عقلًا ونقلًا. {هذا ذِكْرُ مَن مَّعِىَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِى} من الكتب السماوية فانظروا هل تجدون فيها إلا الأمر بالتوحيد والنهي عن الإِشراك، والتوحيد لما لم يتوقف على صحته بعثة الرسل وإنزال الكتب صح الاستدلال فيه بالنقل و{مَن مَّعِىَ} أمته و{مَن قَبْلِى} الأمم المتقدمة وإضافة ال {ذِكْرُ} إليهم لأنه عظتهم، وقرئ بالتنوين ولا إعمال وبه وبـ: {مِنْ} الجارة على أن مع اسم هو ظرف كقبل وبعد وشبههما وبعدمها. {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الحق} ولا يميزون بينه وبين الباطل، وقرئ {الحق} بالرفع على أنه خبر محذوف وسط للتأكيد بين السبب والمسبب. {فَهُمْ مُّعْرِضُونَ} عن التوحيد واتباع الرسول من أجل ذلك.
{وما أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ يُوحَى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون} تعميم بعد تخصيص، فإن {ذكر من قبلي} من حيث إنه خبر لاسم الإشارة مخصوص بالموجود بين أظهرهم وهو الكتب الثلاثة، وقرأ حفص وحمزة والكسائي {نُوحِى إِلَيْهِ} بالنون وكسر الحاء والباقون بالياء وفتح الحاء.
{وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَدًا} نزلت في خزاعة حيث قالوا الملائكة بنات الله {سبحانه} تنزيه له عن ذلك. {بَلْ عِبَادٌ} بل هم عباد من حيث إنهم مخلوقون وليسوا بالأولاد. {مُّكْرَمُونَ} وفيه تنبيه على مدحض القوم، وقرئ بالتشديد.
{لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول} لا يقولون شيئًا حتى يقوله كما هو ديدن العبيد المؤدبين، وأصله لا يسبق قولهم قوله فنسب السبق إليه وإليهم، وجعل القول محله وأداته تنبيهًا على استهجان السبق المعرض به للقائلين على الله ما لم يقله، وأنيبت اللام على الإضافة اختصارًا وتجافيًا عن تكرير الضمير، وقرئ {لاَ يَسُبقُونَهُ} بالضم من سابقته فسبقته أسبقه. {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} لا يعملون قط ما لم يأمرهم به.
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وما خَلْفَهُمْ} لا تخفى عليه خافية مما قدموا وأخروا، وهو كالعلة لما قبله والتمهيد لما بعده فإنهم لإحاطتهم بذلك يضبطون أنفسهم ويراقبون أحوالهم. {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى} أن يشفع له مهابة منه. {وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ} عظمته ومهابته. {مُشْفِقُونَ} مرتعدون، وأصل الخشية خوف مع تعظيم ولذلك خص بها العلماء. والإِشفاق خوف مع اعتناء فإن عدي بمن فمعنى الخوف فيه أظهر وإن عدي بعلى فبالعكس. اهـ.